الشارع المصري

محاولات النهوض بقطاع التعليم في مصر


أعلنت وزارة التربية والتعليم، في 14 فبراير 2024، عدم تطبيق قرارات الفصل النهائي على 68 ألف طالب منقطع عن الدراسة منذ العام الدراسي الماضي وحتى انتهاء الترم الأول من العام الدراسي الجاري، على أمل عودتهم مرة أخرى إلى المدارس، بعد تقديم إغراءات مالية وعينية لهم، ولأسرهم، وكان عدد المنقطعين عن الدراسة بلغ نحو 15 ألف طالب في العام الدراسي 2018 – 2019، ثم ارتفع العدد إلى 20 ألفًا في 2021- 2022، ثم قفز العام الجاري إلى 68 ألفًا، ما يعني أن الرقم تضاعف نحو خمس مرات خلال فترة زمنية قصيرة جدًا.


وفق الأرقام التي أعلنها وزير التربية والتعليم رضا حجازي، خلال عرضه للخطة الاستراتيجية للتعليم 2024- 2029 أمام مجلس الوزراء، في نوفمبر 2023، فإن عدد طلاب المدارس حاليًا 25.5 مليون طالب[1]، وتناول “حجازي” التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية، من حيث كثافة الفصول، وظاهرة غياب التلاميذ.


عَرّفت اليونسيف التسرُب من التعليم على أنه: “عدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة أو تركها دون إكمال المرحلة التعليمية التي يدرس بها بنجاح، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لعوامل أخرى، وكذلك عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر”.


تُعد نسبة الذكور المُنقطعين عن الدارسة أكبر في المرحلة الابتدائية، بينما الفتيات الأعلى في الابتعاد عن الدراسة في المرحلة الإعدادية، تُفسر تلك النِسب على أن الأُسر تلجأ تحت ضغط الفقر والظروف الاقتصادية إلى تشغيل الأبناء من الذكور وترك التعليم حتى يتحول هؤلاء الأطفال إلى مصدر دخل للأسرة، أما في المرحلة الإعدادية فتلجأ أيضا كثير من الأسر الفقيرة إلى تزويج الفتيات مبكرًا للتخلص من أعبائها الاقتصادية .


ترتفع نسبة الانقطاع عن التعليم في المناطق الريفية والصناعية عن غيرها، حيث تتوافر مجالات عدة لعمالة الأطفال، وخصوصاً الذكور منهم، كالحقول والمزارع على مستوى الريف، والعمل في مهنة الأب أياً كانت، وهو ما يُنذر بسيطرة شبح الأمية، بالإضافة للجهل والبطالة، كما تفرز للمجتمع ظواهر خطيرة كعِمالة الأطفال واستغلالهم، وظاهرة الزواج المبكّر، إلى جانب الانحرافات النفسية والسلوكية، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، ولكن يتضاعف العزوف عن التعليم بين الأجيال القادمة، طالما أن الأبوين لا يدركان قيمة التعلم ولا يعيرونه اهتماما.







حاولت بعض الأسر من متوسطي الدخل، أن تنجو بأطفالها من فصول يتراص فيها أحيانًا أكثر من 55 طفلا، في مساحات محدودة، وسط غياب الحد الأدنى من النظافة، بالإضافة لجودة التعليم الضعيفة، بتحويل أبنائهم إلى المدارس الخاصة، ولكن بعد سنوات اصطدمت تلك الأسر بجشع المدارس الخاصة، مع سعي إدارة المدارس الحثيث نحو تعظيم الربح، ورفضوا كل طلبات الأهالي بخفض قيمة المصاريف، دون اعتبار للضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تُعاني منها الأسر، ما دفع البعض لوصف قطاع التعليم الخاص بقطاع الباحثين عن الذهب.



عَقبات تطور المنظومة التعليمية في مصر


الانقطاع عن التعليم يرجع إلى عدة أسباب، منها استمرار الفساد في قطاع التعليم، وتراجع الإشراف والتفتيش الوزاري على المدارس في الريف والقرى، التي تشهد أعلى معدلات التسرب من التعليم، فضلاً عن أن مجانية التعليم وحدها لم تعد كافية لاستمرار الأسر خصوصاً الفقيرة منها في تعليم أبنائها، ما يدفعها لتشغيلهم وهم في سنٍ مبكرة، كما أن المناهج بحاجة إلى تطوير، وأساليب التعليم بحاجة إلى تطوير لتصبح جاذبة للأطفال، خصوصاً في مراحل التعليم الأساسي. 


مع كل موسم دراسي يحتاج الطُلاب إلى أدوات مكتبية، وزي مدرسي، ومصاريف للكتب، وإلى دروس خصوصية، وعند هذا الحد تصبح مجانية التعليم غير كافية، وفق تقرير أعدته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية، فإن الأسر تدفع حوالي نصف الإنفاق الإجمالي على التعليم، إذ تنفق الأسرة في المتوسط خمسة آلاف و 184 جنيهًا سنويًا على تعليم الطفل الواحد، جزء كبير منها يذهب إلى الدروس الخصوصية. [2]

تبدأ أزمة التعليم في مصر من انخفاض ميزانية وزارة التربية والتعليم، مقابل احتياجاتها، على الرغم من إلزام الدستور للحكومة بالمادة (19) بإنفاق نسبة لا تقل عن 4% من الناتج القومي على التعليم، وتنص المادة على أنَّ التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم، لا تقل عن %4 من الناتج القومي الإجمالي، ورغم أن المادة ألزمت الحكومة بإنفاق هذه النسبة على التعليم إلا أن الحكومة لم تلتزم بزيادة الموارد المخصصة إلى هذا القطاع، وتقلصت هذه النسبة إلى 2.4% في العام 2020- 2021، لصالح سداد فوائد وأقساط الديون.


إحدى العَقبات التي تواجه تطور منظومة التعليم في مصر، هي العجز في أعداد المُعلمين، الذي بلغَ وفق تصريحات وزير التعليم طارق شوقي، نحو 320 ألف مُعلم[3]، ويُتطلب لعلاج هذا العجز تعيين أعداد كافية من المعلمين، إلا أن الموجود على أرض الواقع هو معلم غير راضٍ عن مهنة التدريس، ويبحث عن مهنة أخرى تُدر له دخلًا إضافيًا يستطيع من خلاله توفير متطلباته الأساسية، في ظل ضعف المرتبات الحكومية، والتعسف في الاختيارات، فأصبح على المدرسين/ المدرسات الذين توفرت فيهم  شروط التقدم للوظيفة، اجتياز كشف طبي ورياضي واختبار شخصي مؤهِل للتعيين في الكلية الحربية.


محاولات الحكومة السيطرة على ظاهرة الإنقطاع عن الدراسة


أمام تفاقم ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس وافق مجلس الوزراء في 7 ديسمبر 2021، على مشروع قانون يشدد العقوبة على والد الطفل أو وليّ أمره إذا تخلف الطفل أو انقطع دون عذر مقبول عن الذهاب إلى المدرسة، لتصبح العقوبة غرامة بين 500 جنيه حتى 1000 جنيه، مع تكرارها إذا عاود الطفل التخلف عن الحضور، إلا أنَّ مجلس النواب رفض إقرار القانون لتحميله المواطن أعباء مالية.


تزامن ذلك مع موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القوانين المرتبطة بعمالة الأطفال، وتغليظ الغرامة المالية المقررة على مخالفة أحكام قانون الطفل، ومنها حظر تشغيلهم قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي، وإلزام صاحب العمل بإبلاغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال العاملين لديه.

لجأت الحكومة إلى خيار الترغيب مرة أخرى عن طريق الإغراءات المالية التي أعلنت عن تقديمها للأسر التي تلتزم بتعليم أولادها، مثل إعفاء من المصروفات الدراسية، ومنحهم ملابس مجانيّة، وضم الأسر التي تُعاني من مشاكل اقتصادية إلى معاش تكافل وكرامة التي تمنحه وزارة التضامن، بعدما فشلت مساعيها في حل الأزمة عن طريق الترهيب، إلا أنَّ المغريات التي يجدها أولياء الأمور في عمل أطفالهم وجنى الأموال من ورائهم أكبر من قناعاتهم بأهمية التعليم ودوره في بناء المجتمع.


حاولت وزارة التربية والتعليم التصدي لظاهرة الانقطاع عن التعليم، في العام الدراسي الحالي 2023- 2024، من خلال إلغاء فكرة الزي الموحد في المدارس، لتقليل العبء المالي على الأهالي، إضافة بعض المواد الدراسية لتجهيز الطلاب لسوق العمل كـريادة الأعمال والذكاء الصناعي، التوسع في نماذج مدارس التكنولوجيا التطبيقية. فهل ستنجح الحكومة في استيعاب والتعامل مع إنقطاع الطلاب عن الدراسة وتوفير ظروف كريمة للمُعلمين، تمكنهم من تنشأة جيل قادر على قيادة الدولة؟.



مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية