الشارع المصري

مسلسل لا ينتهي.. أزمة انهيار العقارات في مصر

قبل أسبوع، استيقظت مصر على فاجعة انهيار عقار في منطقة الوايلي، مأهول بالسكان، أسفر عن مصرع 8 أشخاص وإصابة آخرين، في مسلسل متكرر لانهيارات العقارات في مصر. وبحسب معاينة النيابة، فإن العقار المنهار مبنى عام 1961، وكان يحتاج إلى ترميم وصيانة منذ تسعينيات القرن الماضي.

 

انهيار عقار الوايلي ليس الأول في عام 2024، فقد شهد شهر يوليو الماضي وحده 7 حوادث انهيار موزعة بين مناطق الكيت كات في الجيزة، وشبرا في القاهرة، والإسكندرية، والمنصورة، وأسيوط، والمحلة، والدقهلية.

 

 

أزمة انهيار العقارات في مصر

 

مع كل انهيار لعقار في مصر، تبرز على السطح أزمة الإيجار القديم وغياب الصيانة، وبحسب مصطفى عبد الرحمن، رئيس ائتلاف ملاك عقارات الإيجار القديم في مصر، فإن عدد العقارات الآيلة للسقوط في مصر يصل إلى 500 ألف، من بينها 120 ألف عقار خاضع لنظام الإيجار القديم. وأشار إلى أن ضعف الإيجارات لا يمكن الملاك من إجراء الصيانة اللازمة، بسبب ضعف العائد من تأجير العقار الذي لا يتجاوز في بعض الأحيان 50 جنيهًا في الشهر. ولذلك، لا يستطيع المالك تحمل تكاليف الصيانة اللازمة للعقار.

 

واعتبر عبد الرحمن لمنصة “MENA“، أن مجلس النواب، على مدار عقود، يتحمل أزمة انهيار العقارات لتجاهله ملف الإيجار القديم، مشيرًا إلى أن ملاك عقارات الإيجار القديم متفائلون بحكم المحكمة الدستورية الذي أجبر المجلس على مناقشة القانون.

 

من جانبه، قال شريف الجعار، رئيس اتحاد مستأجري مصر، إن الأزمة ليست في وجود عائد كافٍ للصيانة، وإنما في رغبة الملاك في إجراء الصيانة. مطالبًا ملاك العقارات بتفعيل اتحاد الشاغلين في العقارات المؤجرة بنظام الإيجار القديم، وترك مهمة الصيانة لهم. لكن الملاك يرفضون ذلك رغبة منهم في إنهاء العلاقة الإيجارية وعودة ملكية الأرض إليهم، ليقوموا ببيعها أو بناء عقارات جديدة عليها للاستفادة منها.

 

وأضاف الجعار أن القانون رقم 136 لسنة 1981، يسمح بالحصول على قروض ميسرة لصيانة العقارات، ولكن الملاك لا يحرصون على سلامة العقار، بينما يحرص المستأجرون على سلامته لأنه يستخدمه في المعيشة أو كسب الرزق. في حين أن المستفيد من انهيار العقار أو إخلائه بسبب غياب الصيانة هو المالك.

 

تراكم المخالفات

 

خلال الفترة من 2017 إلى 2023، شهدت مصر نحو مليون و700 ألف مخالفة بناء، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري. كما شهدت مصر عقب ثورة يناير حالة من الانفلات الأمني سمحت بمئات المخالفات لقانون البناء الصادر عام 2008، وفتحت الحكومة المصرية الباب للتصالح في مخالفات البناء بعدة شروط، أهمها التأكد من السلامة الإنشائية للمبنى، وأنه لا يمثل خطورة على قاطنيه أو المباني المجاورة له.

 

 

بحسب الدكتور رأفت شميس، رئيس الجهاز الفني للتفتيش على أعمال البناء، هناك عدة أسباب لأزمة انهيار العقارات، منها تراكم المخالفات وتعامل الجهات التنفيذية مع قرارات الإخلاء. فحين يرفض السكان الإخلاء بسبب عدم وجود سكن آخر لهم، لا تنفذ الجهات قرار الإخلاء، وتترك السكان بعد توقيع تعهد بأن بقائهم على مسئوليتهم الشخصية.

 

وأضاف شميس لمنصة “MENA” أن مصر شهدت طوفانًا من مخالفات البناء، سواء بسبب الانفلات الأمني أو تراخي المحليات، بالإضافة إلى عدم تفعيل قانون البناء.

 

وشدد شميس على أن غياب الصيانة بسبب الإيجار القديم هو أحد الأسباب الرئيسية لانهيار العقارات، بسبب عدم تفعيل القانون الذي ينص على تكوين اتحاد شاغلي العقار لتولي إدارة وصيانة العقار بدلًا من المالك. ولكن هذا الاتحاد لم يتم تفعيله. وأشار إلى أن هذه المادة ليست الأولى غير المفعلة في القانون، حيث ينص القانون أيضًا على تشكيل لجنة أو أكثر بكل وحدة محلية لدراسة حالة العقارات المبنية وتحديد الإجراءات المطلوبة، سواء كانت ترميمًا أو إزالة جزئية أو كلية. لكن هذه المادة لم تُفعل أيضًا، حيث لم تتشكل اللجان بالصورة المطلوبة، واللجان القائمة حاليًا تتحرك بناءً على الشكاوى أو تعمل بشكل صوري.

 

ضمن أسباب الانهيارات، بحسب شميس، التدخل غير السليم هندسيًا في حالة الصيانة أو التعديلات الإنشائية. فعند إزالة حائط دون الاقتراب من الأعمدة الخرسانية، قد يؤدي ذلك إلى انهيار العقار بالكامل.

 

ما ذكره شميس ينطبق على عقار مدينة نصر الذي انهار في سبتمبر الماضي، وراح ضحيته 4 أشخاص، بعد قيام مهندسي التشطيبات بإزالة عمود لتحويل الشقة من شقة سكنية إلى مركز علاج طبيعي، وهو ما تسبب في انهيار العقار بالكامل. وقد قضت النيابة بحبس مهندسي التشطيبات المسؤولين عن الواقعة.

 

مع الأسف.. الإسكندرية حالة فريدة

 

ولا توجد أي إحصائيات رسمية حول انهيار العقارات في مصر أو توزيع العقارات المنهارة على المحافظات، ولكن تبرز الإسكندرية ضمن المحافظات التي تشهد انهيار عقارات بصورة متكررة.

 

بحسب سمر شلبي، نقيبة المهندسين بالإسكندرية السابقة، فإن الإسكندرية حالة فريدة لسببين. الأول هو فتح الباب للتصالح في مخالفات البناء في عهد المحافظ الأسبق عبد السلام المحجوب، بشهادة سلامة إنشائية تصدر من مهندس استشاري، ولكن للأسف أصبحت هذه الشهادة وسيلة للسمسرة دون فحص سليم للعقار. أما السبب الثاني فهو الطبيعة الجغرافية للإسكندرية، التي تعتبر محافظة ذات طبيعة صخرية، وفي الطبيعة الصخرية ليس كل الأماكن صالحة للبناء، ولذلك يجب إجراء اختبارات للتربة وهو ما لا يقوم به المقاول أو مالك الأرض.

 

من جانبه، قال سعيد حداد، رئيس معهد بحوث المنشآت الخرسانية، إن العمر الافتراضي لأي مبنى هو 50 عامًا وقد يمتد إلى 150 عامًا بشرط إجراء الصيانة الدورية المطلوبة.

 

وأضاف حداد أن من ضمن أسباب انهيار العقارات هو التعلية والبناء على تربة غير صالحة للبناء، ما يتفق مع ما ذكرته المهندسة سمر شلبي.

 

 

موقف البرلمان والحكومة

 

من جانبها، قالت النائبة إيرين سعد إنها تقدمت بطلب إحاطة في سبتمبر الماضي بسبب تكرار حوادث الانهيار، ولكن لم تتلقَ ردًا. لافتة إلى أن البرلمان الآن يناقش ملف الانهيارات ضمن ملف الإيجار القديم الذي يُناقش حاليًا بعد حكم المحكمة الدستورية.

 

ولا يوجد ما ينظم عملية التعويضات الخاصة بانهيارات العقارات، إلا أن الدولة تقدم تعويضات للسكان عبر وزارة التضامن الاجتماعي، بالإضافة إلى مساكن بديلة في المدن الجديدة مثل “الأسمرات” في القاهرة، و”غيط العنب” في الإسكندرية. كما قدمت الدولة لسكان المناطق الخطرة مساكن بديلة. وقد وضعت الحكومة المصرية خطة لتطوير المناطق العشوائية والخطرة، كان من بينها تسكين السكان في مساكن بديلة في “الأسمرات” بنظام تأجير. وفي تصريحات لوزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، قال إن الحكومة المصرية خلال الـ10 سنوات الأخيرة وضعت استراتيجية قومية لتطوير العمران في مصر، أهمها تطوير المناطق العشوائية الخطرة، وتكلفة تطوير تلك المناطق بلغت نحو 5 مليارات دولار.

 

اقرأ أيضًا:

 

تعديلات الإيجار القديم.. تحدث ارتباك في سوق العقارات

 

ما الذي يدفع الشباب “للهجرة بأي ثمن” من مصر؟

 

أزمة الايجارات في مصر بين مالكي العقارات والمستأجرين

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية