ما زال النقاش محتدما حول قانون الإجراءات الجنائية الجديد في مصر، بسبب بعض المواد التي يعتبرها البعض مقيدة للحريات ومخالفة للدستور. وقد استغرق إعداد القانون وقتاً طويلاً في الدراسة نظراً لاختلاف الرؤى بين نقابة المحامين ونقابة الصحفيين ومجلس القضاء الأعلى ونواب البرلمان، حيث تسببت هذه الاختلافات في عقد العديد من اللقاءات للوصول إلى تفاهمات مشتركة حول المواد الخلافية.
وفي حين اقتربت وجهات نظر نقابة المحامين من موقف مجلس النواب، ما زالت نقابة الصحفيين تتحفظ على بعض المواد المتعلقة بالنشر عن المحاكمات، حيث أصدرت بياناً في مطلع الأسبوع طالبت فيه البرلمان بإعادة مناقشة المشروع وعدم الاستعجال في إقرار مواده، باعتباره من أهم القوانين وأكثرها حساسية. وقد تباينت آراء أعضاء مجلس النواب بشأن مشروع القانون، حيث انقسموا بين مؤيد ومعارض وممتنع عن التصويت.
صرّح النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ورئيس اللجنة الفرعية لصياغة قانون الإجراءات الجنائية بمجلس النواب، أن القانون الحالي للإجراءات الجنائية يعود إلى عام 1950 ويرتبط ارتباطاً مباشراً بفلسفة دستور 1923، بينما أقرت مصر دستوراً جديداً في عام 2014، بعد ثورتين واستحقاقات جديدة أحدثت نقلة في ملف حقوق الإنسان.
وأوضح الطماوي لمنصة “MENA” أنه كان من الضروري إعداد مشروع قانون جديد متكامل يتماشى مع فلسفة الدستور الحالي الداعم لحقوق الإنسان. وأشار إلى أن مجلس النواب دعا جميع ممثلي الوزارات والجهات ذات الصلة لحضور مناقشات المجلس حول مشروع القانون، وطرح رؤاهم أمام الجلسة العامة.
وأشار وكيل اللجنة إلى أن من بين التعديلات إلغاء مفهوم “الإكراه البدني” في القانون واستبداله بتقديم خدمة للمصلحة العامة، بالإضافة إلى إعادة تنظيم دور النيابة العامة وفق أحكام الدستور الجديد باعتبارها المسؤولة عن التحقيق وتحريك الدعوى الجنائية وإدارتها. كما تم تنظيم إمكانية استئناف أحكام الجنايات وتعديل نظام الإعلان، بالإضافة إلى معالجة مشكلة تشابه الأسماء عبر إلزام المحققين وأفراد الضبط القضائي بإثبات بيانات الرقم القومي كاملة لتفادي هذه الإشكاليات.
وأضاف الطماوي أنه تمت إعادة تنظيم ما يتعلق بالأحكام الغيابية التي عانى منها الكثيرون، مع توفير حماية فعالة للشهود والمبلغين والمجني عليهم وحتى للمتهمين أنفسهم. كما تم تضمين ضمانات تقضي بعدم جواز إجراء المحاكمة إلا بوجود محام، وفي حال عدم توفر محامٍ، تلتزم نقابة المحامين بتعيين محامٍ للدفاع عن المتهم. وللمرة الأولى، يتم تنظيم وضع الأشخاص على قوائم ترقب الوصول والإدراج على قوائم منع السفر.
منصة “MENA” الإخبارية تواصلت مع نواب البرلمان لاستيضاح الآراء المتباينة
تواصلت منصة “MENA” الإخبارية مع عدد من أعضاء مجلس النواب من مختلف الأحزاب للوقوف على الآراء المتباينة حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
صرّح النائب أحمد الشرقاوي، عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، بأن المتغيرات الحالية تفرض الحاجة إلى مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية. وأوضح أن فلسفة المشروع تطرقت لعدة ملفات مهمة بهدف الخروج بأفضل صورة ممكنة، مشيراً إلى أن الدستور المصري يتناول في العديد من مواده الحاجة إلى تشريع جديد يكفل حقوق الدفاع للمواطنين.
أوضح الشرقاوي أن هناك اختلافات حول بعض مواد القانون، مشيراً إلى أن الانتقادات التي وُجهت للتشريع كانت تستهدف المسودة الأولية التي أعدتها اللجنة الفرعية، ولكن اللجنة التشريعية أجرت حتى الآن 65 تعديلاً على المسودة، ما يعكس الجهد الكبير الذي بُذل من قِبل اللجنة الفرعية واللجنة التشريعية في صياغة التشريع.
وأضاف الشرقاوي أن هناك ملفات مثل “الضبطية القضائية” و”التعويض عن الحبس الاحتياطي” قد تشهد بعض التعديلات، مؤكداً: “نحن في المعارضة نوافق على مشروع القانون من حيث المبدأ، لكننا لن نسمح بالعودة إلى الوراء في بعض المواد الهامة مثل المتعلقة بالحبس الاحتياطي”.
وأعرب النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، عن تقديره لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، موضحاً أنه على الرغم من تخوفاته في البداية، إلا أن حضوره لاجتماعات لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب طمأنه بجدية العمل على القانون الجديد.
وأكد إمام أن مساعي البرلمان لإصدار قانون يوازن بين مختلف الجهات تستحق الإشادة. كما أشار إلى أن حزب العدل دعا على مدار سنوات للإفراج عن المواطنين المتضررين من الحبس الاحتياطي، معتبراً أن القانون الجديد يمثل خطوة إيجابية، لافتاً إلى أن نسبة الاعتراضات على مشروع القانون لا تتجاوز 7%.
من جهة أخرى، كشفت النائبة مها عبد الناصر من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، رفض حزبها للتعديلات المطروحة في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، مشيرة إلى أن القانون بحاجة لمزيد من الوقت للمناقشة، خاصة وأنه يتضمن 540 مادة. وأبدت عبد الناصر اعتراضها على تعديل مادة التعويض عن الحبس الاحتياطي، واعتبرت أن بعض التعديلات تعطي صلاحيات واسعة لمأموري الضبط القضائي، بالإضافة إلى إمكانية إحالة المواطنين إلى المحاكمة دون تحقيق كافٍ.
كما أعلنت النائبة ضحى عاصي، عضو مجلس النواب عن حزب التجمع، عن امتناع نواب الحزب عن التصويت سواء بالرفض أو الموافقة، مؤكدةً على ضرورة إجراء حوار مجتمعي حول مشروع القانون. وأوضحت أن الحزب يدعو النقابات المهنية وخبراء القانون للمشاركة في مزيد من المناقشات لضمان خروج القانون بأفضل صورة ممكنة. وترى عاصي أن هناك بعض المواد في القانون قد تؤثر على فلسفة الحريات والحقوق، وطالبت بإجراء حوار مجتمعي موسع داخل المجلس لضمان التوافق المجتمعي.
وخلال جلسات مجلس النواب المصري من 3 إلى 5 نوفمبر الجاري، ٥٣١تم طرح مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي أعدته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، وذلك من حيث المبدأ.
وقد وصف المستشار حنفي الجبالي، رئيس مجلس النواب، المشروع بأنه وثيقة قانونية تستلهم روح العصر ومبادئ الدستور، مؤكدًا على استمرار المجلس في مناقشة مشروع القانون واستقبال ملاحظات ومقترحات أعضاء المجلس خلال الجلسات القادمة.
وأشادت السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، بمشروع القانون، معتبرةً أنه خطوة نوعية نحو تحقيق مقاربة حقوقية تتفق والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأنه يمثل نقلة نوعية نحو تحويل حقوق الإنسان إلى واقع ملموس لكل مصري ومصرية دون تمييز. كذلك، عبّر نقيب المحامين عبد الحليم علام عن ارتياحه للنقاشات والملاحظات التي قدمها المحامون وأخذها بعين الاعتبار، مؤكداً أن القانون يرسخ الضمانات الدستورية لحق الدفاع.
من جهة أخرى، أبدت نقابة الصحفيين تحفظات على بعض مواد مشروع القانون، حيث أرسلت تعقيبًا إلى النواب الصحفيين تدعوهم فيه لتبني موقف النقابة والدفاع عن قانون يحمي الحقوق والحريات الصحفية بما ينعكس على حقوق المجتمع والمواطنين ككل.
وأوضح نقيب الصحفيين، خالد البلشي، أن النقابة بذلت جهودًا موضوعية في دراسة مشروع القانون على المستويين المهني والقانوني، وخلصت إلى عدد من الملاحظات والاعتراضات، انطلاقًا من إيمانها بأن حرية الصحافة تضمن حرية المجتمع بأسره. وأكد البلشي في تصريح لمنصة “MENA” على ضرورة استمرار الحوار المجتمعي حول مشروع القانون قبل إقراره، حيث يمثل القانون ركيزة أساسية لنظام العدالة ويحتاج لنقاش واسع حول نصوصه وتعدد الرؤى.
وأشار البلشي إلى المواد المتعلقة بالصحافة، وهما المادة 15 والمادة 266، بعد حذف المادة 267 الخاصة بحظر نشر أخبار وقائع الجلسات. وقد تمسكت النقابة بتعديل المادة 15 من المشروع، التي تنص على “جواز إقامة محكمة الجنايات للدعوى الجنائية على المتهم في حال وقعت أفعال خارج الجلسة تمس أوامر المحكمة أو تؤثر على قضائها أو الشهود في قضية منظورة أمامها”، وطالبت بتغيير صياغتها لتشمل فقط الأفعال التي تحدث داخل الجلسة. وحذر البلشي كذلك من المادة 266، التي تمنع بث أو نقل وقائع الجلسات إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد أخذ رأي النيابة العامة، معتبراً أن ذلك يشكل قيوداً إضافية على العمل الصحفي، ويؤدي إلى الحد من التغطية الإعلامية للمحاكمات.
وأكد البلشي أن المادة 266 تفرض قيوداً غير مبررة على حرية الصحافة، وطالب بأن تكون الجلسات علنية، مع إتاحة إمكانية تحويل بعضها لجلسات سرية بقرار مسبب من المحكمة لحماية النظام العام أو الآداب، على أن يتم تدوين أسباب القرار ضمن الحكم الصادر.
اعتبر نقيب الصحفيين أن قرار إلغاء المادة 267 من مشروع القانون يمثل إشارة إيجابية، إلا أن النقابة تسعى للدفاع عن حقوق وحريات المجتمع بأسره. ولفت البلشي إلى أن هناك 41 مادة في المشروع تتعارض مع مواد الدستور، بالإضافة إلى 44 مادة أخرى تحتاج إلى تعديلات جوهرية، من بينها مواد تتعلق بعمل الصحافة. كما شدد على أن أي تعديلات على مواد الحبس الاحتياطي يجب أن تكون مصحوبة بإجراءات فعالة لتصفية ملف المحبوسين، حتى لا تكون التعديلات مجرد وعود غير قابلة للتنفيذ.
اقرأ أيضًا:
“قانون الإجراءات الجنائية”.. ولادة متعسرة واعتراضات حقوقية ونقابية
إلغاء قانون الطوارئ سابقة تاريخية.. تصريح برلماني مصري في حقوق الإنسان
قانون تعارض المصالح.. كيف جمع وزراء بين مناصبهم وأعمالهم؟
الدستورية العليا تنتصر لحرية الصحفيين