استثمارات مصرية تهاجر إلى السعودية بحثًا عن الفرص
القطاع العقاري في مقدمة الاستثمارات المهاجرة من السوق المصري
تواصل المملكة العربية السعودية توفير كامل للإمكانات اللازمة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية لأراضيها، واستحوذ المصريون على 30% من التراخيص الاستثمارية الصادرة من وزارة الاستثمار السعودي خلال الربع الأول من العام الحالي 2024، ما يوازي 590 ترخيصًا من إجمالي 3175 ترخيصًا أصدرتهم بحسب بيانها الأخير الذي حمل عنوان “راصد الاقتصاد والاستثمار السعودي”.
وذكر التقرير أن التراخيص الصادرة للمستثمرين المصريين جاء في مقدمتها القطاع العقاري ومواد البناء تلتها قطاعات الزراعة والأنشطة التعليمية وصيد الأسماك بالإضافة لأنشطة أخرى، ليشكل حجم النمو في التراخيص السعودية للمصريين خلال الربع الأول من العام الحاليّ نموًا بقيمة 148% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2023.
وتُمثل استثمارات شركة طلعت مصطفى في مدينة بنان بداية قوية لشركات العقارات المصرية في السعودية حيث يبلغ إجمالي الاستثمارات المتوقع 31.4 مليار ريال سعودي تقريبًا، وهذا يُمثل حافزًا لدخول شركات أخرى قريبًا مثل “مجموعة حسن علام القابضة” و”كونكريت بلس” بحسب تصريحات سابقة لوكالة الشرق بلومبرج.
وفي ظل نجاح السعودية في جذب الاستثمارات المصرية والعالمية إليها على الرغم من حداثة عهدها بالانفتاح الاقتصادي، وتعثر مصر في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية أو تنمية القطاع الخاص المحلي والذي اشترط صندوق النقد زيادة إسهامه في الاقتصاد ضمن حزمة المساعدات الأخيرة، سنسعى للتعرف على أبرز عوامل الجذب في المملكة وسبب تعثر الجمهورية المصرية.
تُخصص المملكة منصة إلكترونية وتضم كافة البيانات والمعلومات التي تساعد المستثمر على اتخاذ قراره كما يستطيع المستثمر إنجاز كافة الإجراءات عبر نفس المنصة ما يُمكن المستثمر من معرفة الفرص والمخاطر المتعلقة بالاستثمار بأقل مجهود وفي وقت قياسيّ.
أيضًا تقدم مصر للمستثمرين “الرخصة الذهبية” عبر البوابة الإلكترونية لوزارة الاستثمار لكنها تشترط تقديم كافة المستندات المطلوبة باليد في مقر الهيئة بالقاهرة، ومراجعته قبل تحويله لمجلس الوزراء من أجل الموافقة النهائية، ووفقًا للائحة التنفيذية من قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 يحصل المستثمر على الرخصة بعد تحقيق ثمانية اشتراطات منها تقديم تعهد بتحمل تكاليف البنية التحتية من طرق ومياه وصرف صحي وكهرباء واتصالات ومعالجة المخلفات.
يتمتع الريال السعودي باستقرار كبير في مواجهة الدولار الأمريكي حيث يساوي الدولار الواحد 3.75 ريال سعودي وتتدخل المملكة للحفاظ على ثبات سعر الصرف بما تمتلك من مصادر دخل دولارية كبيرة ممثلة في النفط مما يجعلها قادرة على تحقيق الاستقرار لسعر العملة، بالإضافة إلى أن المملكة توفر مجموعة من القوانين الاستثمارية الجاذبة للقطاع الخاص.
على الجانب الآخر تواجه مصر ضغوطًا في توفير الدولار الأمريكي منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية نهاية فبراير 2022، بعد خروج الأموال الساخنة المقدرة بـ22 مليار دولار من سوق الدين المصري في ظل ارتفاع الفائدة الأمريكية، ما واجهته مصر بحزمة من الإجراءات المعطلة للاستثمار وعلى رأسها وقف استيراد عددًا من السلع وتأخير السلع الأساسية والذي انعكس بدوره على طول دورة رأس المال وتحقيق المستثمر خسارة في ظل ما يمثله الوقت للمستثمرين من عامل مهم في حساب العائد من الاستثمار.
بالإضافة إلى أن سعر صرف العملة الأمريكية تحكمت فيه السوق السوداء على مدار العامين الماضيين وأصبح الدولار له أكثر من قيمة في الأسواق فأصبح سعر الدولار في سوق الذهب مختلفًا عن سعره عند مستوردي السيارات عنه في البنوك الرسمية مما خلق تضاربًا جعل الدولار يسجل في السوق الموازي 70 جنيهًا بينما في البنك ظل ثابتًا عند 30.90 جنيه للدولار الواحد، ولم تنتهي السوق السوداء إلا بعد صفقة رأس الحكمة وما تلاها من حزم المساعدات المقدمة من صندوق النقد ومجموعة من الشركاء، إلا أن التخوفات لا تزال مسيطرة في ظل عدم القدرة على زيادة المصادر الدولارية.
علاوة على ما سبق فشلت الحكومة المستقيلة في إنجاح برنامج الطروحات الحكومية والذي استهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات خلال السنوات الثلاثة بنسبة 65%، إلا أن تضارب الأرقام المستهدفة يؤكد على مواجهة البرنامج تحديات تحول دون تحقيق المستهدف منه.
تُمثل معدلات النمو الصادرة عن الهيئات الدولية واحدًا من عوامل الجذب الهامة للمستثمر، ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد السعودي خلال عام 2024 بنسبة 2.4%، بينما سيبلغ معدل النمو إلى 6% بحلول 2025، لتكون صاحبة أعلى معدل لتوقعات النمو داخل مجموعة العشرين.
ولا تتجاوز معدلات النمو للاقتصاد المصري خلال العام المالي 2024/2025 وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي 4.4% مع العلم أن 62% من مدفوعات الموازنة مخصص لتسديد أقساط الديون.
يقول أحمد جابر رئيس شعبة الطباعة والتغليف السابق باتحاد الصناعات المصرية، إن المملكة اجتذبت رؤوس الأموال المصرية والأجنبية من خلال مقومات يبحث عنها أي مستثمربداية من التمويلات البنكية باسعار فائدة تكاد تقل عن خمس أسعار الفائدة لدينا، بجانب سهولة الإجراءات المستندية التي تستغرق يومان تقريبًا، والأهم ثبات أسعار صرف العملة، وكل هذه التسهيلات مشمولة بحسن الاستقبال للمستثمرين والتعاون معهم لإنجاح استثماراتهم.
صرح الدكتور علي عوف رئيس الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية، إن قوة المركز الاقتصادي للدولة السعودية يمثل حجر زاوية في جذب الاستثمارات المصرية، والدعم والإعفاءات المقدمة أيضًا نجحت في تلبية مطالب المستثمر المتوجه إلى السوق السعودي.
يوضح عوف أن صناعة الدواء في مصر ليست جاذبة للمستثمرين بسبب خضوع الدواء للتسعيرة الجبرية ومراعاة البُعد الاجتماعي عند التسعير بالتالي يواجه المستثمر في القطاع تحديًا يخص تحقيق الربح المنتظر بل ربما يخسر، علاوةً على أن عند تصدير الدواء للخارج يُسأل المستورد عن سعر الصنف المراد استيراده في بلد المنشأ وفي ظل التسعير الجبري لن نستطيع التصدير بنفس الأسعار للخارج.
ويُتوقع أن نرى كبرى شركات صناعة الدواء المصرية تضخ استثمارات في السوق السعودي والإماراتي للاستفادة من التسعير العادل للدواء مما يعزز قدرة المصانع على التصدير للأسواق الأخرى وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي وبناءً عليه توفير العملة الأجنبية بسهولة للشركات والتي تعد ركن أساسيّ لجلب المواد الخام للصناعة.
بحسب ما أشار إليه عوف، فاستثمار شركات الدواء في السعودية سيصحبه مردود إيجابيّ على السوق المصري حيث أن الشركات لن تغلق مقراتها أو مصانعها في مصر بل ستدعم الشركات مصانعها في مصر بعد أن نمت مصادرها الدولارية فلن تواجه عجزًا في توفير الدولار الذي تحتاج منه سنويًا نحو ثلاث مليارات لجلب الخام مرة أخرى بالإضافة لتخفيف الضغط على البنك المركزي في توفير العملة الأمريكية للقطاع الحيوي.
قال مصطفى إسماعيل حسن خبير الاستثمار خلال ظهوره مع الإعلامي إبراهيم عيسى الأسبوع الماضي، إن أكبر مكون دولاري في مصاريف الحكومة مخصص لتسديد فوائد الدين، مما يجعل مساحة الحلول محدودة أمام الحكومة المقبلة، مشيرًا لأهمية ما يحتاجه الاقتصاد المصري للخروج من الأزمة وجذب الاستثمارات هو الاستقرار المالي والنقدي لأن استمرار عجز الموازنة سيؤدي لتكرار مشهد 2016 و2024 مستقبلاً.
وأشار إلى أن الإستدانة من البنك المركزي بهدف تمويل عجز الموازنة والصرف على المشروعات الحكومية انعكس سلبيًا في صورة زيادة السيولة النقدية بلا إنتاج ومع القيود الاستيرادية زادت معدلات التضخم، على الرغم من أن صفقة رأس الحكمة أعطت الحكومة وقتًا لمعالجة عجز الموازنة بطريقتين لا ثالث لهم إما زيادة الإيرادات أو تقليل الإنفاق.
ويؤكد الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي على أن جذب الاستثمار محلي أو أجنبي يحتاج لبنية تشريعية واضحة قائمة على دراسات متأنية بمشاركة القطاعات الاستثمارية المختلفة من اتحاد صناعات وشعب تجارية وكل من له علاقة بالاستثمار، مع الأخذ في الاعتبار الاستفادة من التجربة السعودية.