رسائل الدعم العسكري الأمريكي لمصر
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء، 11 سبتمبر الحالي، تقديم مساعدات عسكرية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار، في أول خطوة من نوعها منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في عام 2020. ما يميز هذه الخطوة أن واشنطن لم تشترط تحقيق أي تقدم في مجال حقوق الإنسان مقابل هذه المساعدات، رغم الانتقادات السابقة التي كانت توجهها بشأن هذا الملف في مصر.
وتأتي هذه المساعدات في وقت حساس، إذ يشهد الشرق الأوسط تصعيدًا كبيرًا في الأحداث منذ 7 أكتوبر 2023، عقب المجازر المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. هذا التصعيد تسبب في ارتفاع المخاوف من اندلاع مواجهات إقليمية واسعة، لا سيما أن محور المقاومة بقيادة إيران قد أبدى استعدادًا للرد على هذه الانتهاكات.
برزت في الآونة الأخيرة أيضًا خلافات حادة وتصاعد ملحوظ في الحوار المستخدم بين أمريكا وإسرائيل، بسبب سياسة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال وعرقلته لإتمام صفقة تبادل للأسرى، بالإضافة إلى تحركاته المستفزة للجانب المصري، التي أدت إلى أزمة دبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب حول محور صلاح الدين بحسب ما ذكره مراقبون.
المساعدات الأمريكية
أكد الدكتور أيمن سمير خبير العلاقات الدولية أن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر قديمة، ولا ارتباط لها بما يحدث حاليًا في الشرق الأوسط، موضحًا أن مصر تحصل على مساعدات عسكرية منذ اتفاقية السلام عام 1979، وأن قيمة المساعدات الآن تضاءلت مقارنة بالماضي، إذ بلغت المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر عام 1980 أكثر من 10% من الناتج القومي المصري، بينما هي الآن لا تساوي نصف من مائة في المائة من الناتج المصري المحلي.
وأوضح سمير في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن سبب إرسال أمريكا المساعدات هذا العام دون اقتطاع هو إدراكها لقيمة مصر بوصفها محورًا للسلام والاستقرار في المنطقة في ظل كل ما يجري حولها من مشاكل جيوسياسية وحروب أهلية في السودان والمجازر التي تحدث في فلسطين، بالإضافة إلى التوترات التي يشهدها البحر الأحمر.
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية مع الفريق أول تشارلز براون رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية
ولفت إلى أن هناك إدراكا أمريكيا بأن الأوضاع تتصاعد في الشرق الأوسط، وأن دولة كبيرة مثل مصر يقترب سكانها من أن يكونوا ربع القوى البشرية في بلدان العالم، لا بد أن يستقر فيها السلام وينبعث ليملأ الشرق الأوسط؛ لذلك أتى إقرار المساعدات بالكامل متناغمًا مع هذا الهدف ومع استئناف مفاوضات ومباحثات الحوار الاستراتيجي، الذي اتفق عليه من شهر أغسطس 2018.
ونوه بأن أمريكا تراهن أيضًا على لعب مصر دورًا كبيرًا في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإعادة إعمار القطاع، وباعتبارها أحد الوسطاء في مفاوضات التهدئة، موضحًا أن الاضطراب في الشرق الأوسط يفرض أعباء إضافية على الولايات المتحدة الأمريكية، إذ ترسل آلاف الجنود إلى الشرق الأوسط بالإضافة إلى تحريك حاملات الطائرات، ما يشكل تكلفة سياسية واقتصادية على الولايات المتحدة.
واستبعد خبير العلاقات الدولية أن يحمل إعطاء أمريكا المساعدات الكاملة لمصر، رسالة تخويف لإسرائيل، مؤكدًا أن الاحتلال يحصل على مساعدات عسكرية واقتصادية أكبر بكثير وبشكل مستمر، لافتًا إلى اتفاق وقع عام 2017 بين إسرائيل وأمريكا، يحصل الاحتلال بموجبه على أكثر من 3 مليارات دولار على مدار 10 سنوات، منوهًا بأن هذا في الظروف العادية أما في الحرب فإن حجم حزم المساعدات العسكرية لإسرائيل يرتفع بشكل مهول ويتخطى مئات المليارات.
وقدمت أمريكا إلى مصر مساعدات تقترب من 80 مليار دولار، بواقع 2.1 مليار دولار سنويًا، 815 مليونًا منها اقتصادية و1.3 مليار منها عسكرية، منذ توقيع اتفاقية السلام عام 1979، إلا أنها في بعض الأحيان كانت تقتطع أجزاء من هذه المعونة بسبب ملف حقوق الإنسان.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أبلغ الكونغرس بأنه سيتنازل هذا العام عن الاشتراطات المتعلقة بمبلغ 225 مليون دولار من المساعدات، التي كانت مرتبطة بسجل مصر في مجال حقوق الإنسان، استنادًا إلى مصالح الأمن القومي الأمريكي.
وأضاف المتحدث أن هذا القرار يُعتبر مهمًا لتعزيز السلام الإقليمي، ويعكس مساهمات مصر المستمرة والمحددة في أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة. موضحًا أن التنازل يهدف إلى دعم الجهود الرامية إلى إتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، بالإضافة إلى المساعدة في تحقيق نهاية دائمة للصراع بين إسرائيل وحماس.
إصرار على دخول محور صلاح الدين
أدت أزمة محور فيلادلفيا إلى توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل، حيث أعلنت إسرائيل عن نيتها دخول منطقة رفح ومحور فيلادلفيا جنوبي غزة، مما أثار غضب الجانب المصري الذي واجه الطلب بمعارضة شديدة. وقد حاولت إسرائيل تهدئة الوضع من خلال التأكيد على أن القوات لن تبقى في المنطقة لوقت طويل، إلا أن التصريحات المتبادلة بين الجانبين زادت من حدة التوترات.
اتهام بايدن لنتنياهو
شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا في التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن بعض السياسات الإسرائيلية التي اعتبرها معيقة لعملية السلام والمفاوضات الإقليمية. تتعلق هذه الانتقادات بشكل خاص بسلوك الحكومة الإسرائيلية الحالية تحت قيادة بنيامين نتنياهو، والتي تتهمها الإدارة الأمريكية بأنها تعرقل جهود السلام مع الفلسطينيين وتعزز من الاستيطان في الأراضي المحتلة.
في تصريحات علنية، اتهم الرئيس بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعرقلة مسار المفاوضات، مشيرًا إلى أن سياسات نتنياهو تعيق الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاقات دائمة.
أكد بايدن أن الولايات المتحدة تدعم حل الدولتين وتعتبر أن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق هذا الهدف. وأضاف أن تصرفات الحكومة الإسرائيلية الحالية تؤثر سلبًا على العلاقات الثنائية وتقلل من فرص تحقيق سلام شامل في المنطقة.
ردود الفعل الإسرائيلية
في المقابل، نددت الحكومة الإسرائيلية بتصريحات بايدن، معتبرةً أنها غير عادلة وتفتقر إلى فهم دقيق للوضع في المنطقة.
دافعت إسرائيل عن سياساتها بوصفها ضرورية للأمن الوطني ولحماية مصالحها الاستراتيجية. كما اعتبرت أن الانتقادات الأمريكية تأتي في سياق الضغوط السياسية الداخلية التي تواجهها الإدارة الأمريكية، وليست تعبيرًا عن رؤية متوازنة للوضع في الشرق الأوسط.
إلى ما تهدف أمريكا؟
أثار إرسال أمريكا المساعدات دون اشتراط لأول مرة في ولاية بايدن تساؤلات عديدة حول مغزاها، خاصة في هذا التوقيت وفي ظل الأزمات الأخيرة، والصراع في الشرق الأوسط، وإمكانية أن يحمل هذا الإجراء رسالة إلى الاحتلال تعكس الغضب الأمريكي من سياسات نتنياهو وإمكانية التخلي عنه.
ونوه الدكتور أحمد سيد خبير العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، بأن إفراج أمريكا عن المساعدات المصرية كاملة، يكشف تقارب العلاقات المصرية الأمريكية، والاحترام الأمريكي لدور مصر وجيشها في مواجهة الإرهاب وتثبيت أركان السلام في المنطقة العربية.
وأكد خبير الشؤون الأمريكية في تصريحات خاصة لمنصة”MENA” أن إفراج أمريكا عن المساعدات بشكل كامل لا يعني ابتعادها عن إسرائيل، مشددًا على أن أمريكا مستمرة في دعمها لدولة الاحتلال عبر تقديم مساعدات سنوية بقيمة 3 مليار دولار بالإضافة إلى المساعدات العسكرية، والتي كان أخرها حزمة بـ14 مليار دولار لمساعدة الاحتلال في حربه على غزة، ومنوهًا إلى أن أمريكا هي الداعم الأساسي لإسرائيل عسكريا وسياسيًا.
ورأى أن هذه الخطوة هي محاولة أمريكية لتحقيق التوزان في علاقتها مع مصر، لمحاولة الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، خاصة في ظل التوتر بين مصر وإسرائيل فيما يتعلق بمحور صلاح الدين، لافتًا إلى أن الموقف الأمريكي يدعم مصر في هذه المسألة.
وختم بأن تخلي واشنطن عن شرط حقوق الإنسان يعكس التقدم المصري في هذا الملف، وعزوف أمريكا عن هذا الشرط الذي أحدث جفوة سياسية بسبب أنه يتدخل في الشؤون الداخلية للدولة.
اقرأ أيضًا:
بين زيارة الكونجرس للقاهرة وسفر السيسي لتركيا.. ماذا نقرأ عن دور مصر الإقليمي؟
الولايات المتحدة توجه تحذيرات إلى إيران عبر مصر
هل يعيد استحداث منصب “المبعوث الأممي للمياه” الأمل في مفاوضات سد النهضة؟
الحرب السودانية تكبد الاقتصاد المصري خسائر بالمليارات
شركة هلا السياحية المملوكة لـ إبراهيم العرجاني..ما وراء الكواليس