مجتمع

السوشيال ميديا القوة الخفية التي يخشاها السيسي

لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا هامًا في تحريك الشارع المصري، فكانت تلك المواقع الأداة التي استطاعت الجماهير من خلال الحشد وإطلاق دعوات التظاهر لإسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وصارت تلك المواقع منفذًا للتعبير عن رفض سياسات المجلس العسكري وللدعوة إلى التظاهر والاحتجاج في الفترة التي تلت الثورة.


تعامل نظام السيسي مع الإنترنت ومنظمات المجتمع المدني، تمامًا مثل الأنظمة السابقة، باعتبارها أحد الأسباب الأساسية التي ساهمت في إسقاط نظام مبارك، وعليه أصبح على الأجهزة الأمنية أن تسيطر عليها أكثر، وكان التصريح الشهير للسيسي “كتيبتين تدخل على النت وتعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا أخبار وشغل منها”.


 تُعد وسائل التواصل الاجتماعي مساحة آمنة تُمكّن الأشخاص من التعبير عن آرائهم بحريّة، إلا أن الوضع في مصر مُختلف تماما، يولي نظام السيسي أهمية كبيرة للسوشيال ميديا، ويعرف تأثيراتها جيدًا، وله في عام 2019 عِبرة وعظة، فقد شهد هذا العام تأثيرا متزايدًا لمواقع التواصل الاجتماعي، نتجَ عنه خروج الآلاف من المصريين للتظاهر تلبية لدعوات أطلقها المقاول والممثل المصري محمد علي ظهرت على بعض تلك المواقع، دعا فيها للتظاهر من أجل إسقاط النظام.


اهتم السيسي خلال المؤتمر الوطني الثامن للشباب بالرد على الكلام المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حول أوجه الإنفاق الرئاسية، وأكدَ أن الهدف من تلك الشائعات هو زعزعة الثقة بين الشعب وقياداته وتحطيم إرادة المصريين.


مع إدراك النظام للخطر الذي يواجه إذ لم يسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ في استخدام أساليب عدة للسيطرة عليها من خلال سن التشريعات القوانين، بالإضافة لإحكام قبضته الأمنية، فاستحدثت وزارة الداخلية إجراءً أمنيًا تمثل في استيقاف المارة في بعض الميادين، وفحص هواتفهم المحمولة، للاطلاع على ما يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أصدر النائب العام قرارًا بتشكيل وحدة لمتابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لرصد الأشخاص والجهات التي تبث “الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية”.


لكن عمل وحدة الرصد التي أنشأتها امتدت لملاحقة غير السياسيين من النشطاء، الذين لديهم عدد كبير من المتابعين على تلك المواقع، وسط استحداث  مبررات جديدة للملاحقة، كالحفاظ على الأمن القومي الاجتماعي مثل الاعتداء على القيم الأُسرية والتي كانت سببًا في اعتقال ما يُعرف بـ”فتيات تيك توك” بسبب نشرهن فيديوهات وصور على حساباتهن الشخصية تخدش الحياء العام.


كشفت دراسة قام بها معمل «Citizen Lab» أن التكنولوجيا المستخدمة في مراقبة اﻹنترنت في مصر يتمّ استخدامها في توجيههم إلى صفحات إعلانية، فضلًا عن إمكانية استغلال أجهزتهم في تعدين العملات الرقمية، فيما وصفه المعمل بالمكيدة المصرية لكسب اﻷموال بشكلٍ سريّ.


في محاولة للتغلب على تلك السياسات، بدأ نشطاء السوشيال ميديا في إنشاء حسابات وهمية موازية لحساباتهم الأصلية -التي في الأغلب تحتوي على تعليقات تنتقد النظام- تُعطي انطباعًا للشخص الذي يُفتش في الهاتف أن هذا الشخص ليس له أي اهتمام بالسياسة ولا يُعارض النظام.


الربط بين قرار النائب العام وإجراءات وزارة الداخلية يضع المواطنين أمام محاولات مختلفة من الدولة لفرض رقابة على مواقع التواصل الاجتماعى، التي تعد حاليًا منصة إعلامية بديلة للإعلام الرسمي والخاص، ولها تأثير واضح في الشارع، ليس فقط في الأحداث السياسية، ولكن حتى في القضايا الاجتماعية.


مراقبة المصريين والتجسس عليهم إلكترونيًا، لم يكن بالشيء الجديد، فمنذ عام 2008، وعقب انتفاضة مدينة المحلة الكبرى، تستخدم وزارة الداخلية برامج وأجهزة من شركات أجنبية تعمل في مجال التجسس، عقب اقتحام مقرات جهاز أمن الدولة عام 2011، ظهرت مستندات عبارة عن محاضر الاجتماعات التي عقدتها الوزارة مع شركات الهواتف والإنترنت في مصر لترتيب الرقابة والتجسس بشكلٍ مشترك، بالإضافة لملفات عبارة عن عروض فنية من شركات تجسس عالمية لبيع برامجهم وتقنياتهم إلى الجهاز.


حاول النظام بسط سيطرته على وسائل التواصل الاجتماعي عبر اعتقال العديد من النشطاء والمشاهير الذين قدموا محتوى يراه النظام غير مناسب، فتحولت السوشيال ميديا من مساحة آمنة يُعبر فيها الناس عن آرائهم بِحُرية، إلى سبب كافٍ للاعتقال من وجهة نظر الحكومة. لم يكتفِ النظام بذلك، بل أصبح له وجود كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، تمثل في سرعة تفاعله مع القضايا التي تشغل بال المواطنين، في محاولة منه لمواكبة تحركات المجتمع، وتلافي الأخطاء السابقة، واستخدام المنصات كأداة للتواصل، ووسيلة لتحسين الصورة.


موقع “ستات كاونتر” على الإنترنت المعنيّ بجمع وتحليل البيانات من جميع أنحاء العالم يشير إلى أن زيادة كبيرة في استخدام المصريين لمنصات التواصل الاجتماعي، فأكثر من نصف المجتمع المصري يصنفون على أنهم مستخدمون نشطون لمنصات التواصل الاجتماعي، وبعدما كان “فيسبوك” هو المنصة الأكثر استخداماً وهيمنة في مصر، تزاحمه حالياً “يوتيوب” و”تويتر” و “بينترست” و”إنستغرام” و”تيك توك” وغيرها.


ليس العدد المتزايد فقط هو المهم بل الأمر الأكثر أهمية هو الشريحة العمرية لهؤلاء المستخدمين، إذ يُعرفنا على طبيعة التفكير المسيطر على هذا العالم الافتراضي، فكل مرحلة سنيّة لها أهدافها وتطلعاتها المختلفة.


على الرغم من تنامي أعداد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن حجم التأثير في أرض الواقع -الحياة السياسية والاجتماعية- تراجع بشكلٍ ملحوظ، نظرا للقبضة الأمنية التي يتعامل بها النظام مع ما يكتبه المواطنون على السوشيال ميديا، بجانب الإحباط الذي أصاب عموم الشعب من تبعات معارضة النظام، وتنامي حالة عدم الشعور بالأمن.

شارك المقالة

مقالات مشابه

الاقتصاد المصري والسير نحو الهاوية

تعيش مصر أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ سنوات، يزيد من صعوبتها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب شح الدولار بسبب تراجع تحويلات

أزمة نقص الأدوية المستوردة في السوق المصري

مقدمة أصدرت وزارة الصحة المصرية في الخامس من فبراير 2024 القرار رقم 44 لسنة 2024؛ الخاص بإلزام الأطباء في جميع القطاعات الصحية في الدولة

العقلية الأمنية في حل الأزمات الاقتصادية في مصر

استَهَلَ السيسي فترته الرئاسية الثالثة، في وقتٍ تَعصفُ بمصر مجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية، على الصعيد الإقليمي لا تزال الحرب في