اقتصاد

الاقتصاد المصري والسير نحو الهاوية

تعيش مصر أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ سنوات، يزيد من صعوبتها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب شح الدولار بسبب تراجع تحويلات العاملين في الخارج، والصادرات، وتخارج مستثمرو الأموال الساخنة في أدوات الدين من استثماراتهم في مصر بشكلٍ سريع، فضلًا عن هبوط إيرادات قناة السويس بسبب تصعيد الحوثي في البحر الأحمر، وتُقدر خسائر قناة السويس منذ بداية العدوان على غزة بنحو 428  مليون دولار، ورغم أن الرقم ليس كبيراً مقارنةً بحجم الاقتصاد المصري، إلا أن له تأثيره واضح بالنظر لما تعانيه البلاد من شح العملة الأجنبية.


حرب غزة وآثارها على الاقتصاد المصري


واجهت مصر أزمة اقتصادية طاحنة خلال العامين الماضيين، دفعتها إلى خفض قيمة الجنيه ثلاث مرات، مما أدى إلى خسارة نصف قيمته مقابل الدولار، وكشفت الحرب الأخيرة في غزة معاناة الاقتصاد المصري، خاصةً وأنَّ الحرب ضربت مصادر رئيسية تعتمد عليها في مصر لجذب العملة الأجنبية مثل السياحة والرسوم التي تدفعها سفن الشحن التي تمر عبر قناة السويس.


من المتوقع أن تتقلص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء -يُتداول الدولار حالياً مقابل أقل من 63 جنيه في السوق الموازية- عندما وصل إلى مستويات قياسية تجاوزت 74 جنيهاً، وذلك بعدما شدّدت الحكومة من قبضتها الأمنية على تجار العملة، بالإضافة لرفع البنك المركزي المصري لسعر الفائدة وارتفاع الجنيه المصري مقابل الدولار بالسوق الموازية، ولكن تظل هذه حلولا مؤقتة.


تزامن ذلك مع اقتراب مصر من الاتفاق مع صندوق النقد لزيادة قيمة القرض السابق، حيث أنهت بعثة صندوق النقد زيارتها إلى القاهرة، خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير، معلنة عن إحراز تقدم في المناقشات مع الحكومة المصرية، ترتب عليه الإعلان عن تواصل عقد لقاءات افتراضية لتحديد حجم الدعم الإضافي اللازم لسد فجوة التمويل المتزايدة، وسط توقعات بأن تساهم المحادثات في توفير تمويلات تتجاوز 10 مليارات دولار من الصندوق والمانحين.


حلول الرئيس السيسي لمواجهة الأزمة الاقتصادية


مع بداية الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي والتي تزامنت مع بداية السنة، استيقظ المصريون على زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق، تلاها الإعلان عن رفع أسعار باقات الإنترنت الأرضي وخدمات الهاتف المحمول، ثم زيادة أسعار الكهرباء، ومواد البناء وتحديداً الأسمنت والحديد.


حاول النظام المصري التغلب على أزمة ارتفاع الأسعار من خلال الدفع بسيارات تابعة للجيش والشرطة لبيع الخضراوات والأغذية واللحوم والسلع التموينية بأسعار مخفضة، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد، خاصةً وأن أغلب الأجور حتى بعد زيادتها لا تُضاهي الزيادات المستمرة في أسعار السلع والخدمات، وسط غياب الرقابة الحكومية، والتي دفعت بعض القطاعات الهامة لتسعير وبيع منتجاتها بالدولار، كالحديد والأسمدة والعقارات.


زيادة الأجور التي أعلنتها الحكومة المصرية مطلع فبراير الجاري، قد تساهم في امتصاص جزء من معاناة المصريين من غلاء الأسعار، وتلعب دورًا في تسريع الاتفاق مع صندوق النقد، لكنها مع مرور الوقت ستؤدي لارتفاع مستويات التضخم والعجز الكلي للموازنة، والتي تعاني في الأساس قبل تلك الزيادة ومن المتوقع وصول العجز لأكثر من 7% في السنة المالية الحالية.


يترقب المصريون منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية إقدام الحكومة على خفض جديد ومؤلم لقيمة الجنيه، مع توقعات بوصوله نهاية العام في السوق الرسمية إلى50  جنيهاً مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ 30.85 حالياً، وهو ما دفع المصريون للبحث عن ملاذات آمنة لحماية مدخراتهم، مما أدى الى ارتفاع أسعار العقارات ودفع العديد من المطورين إلى إرجاء بيع الوحدات، لحين عودة استقرار سعر صرف الجنيه، وأسعار مستلزمات البناء، حتى يتمكنوا من إعادة تسعير وحداتهم في ضوء الزيادات اليومية لمواد البناء، خاصةً وأن35%  من تكلفة البناء تحتاج إلى مكوّن دولاري بحسب رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.


ارتفاع سعر الجنيه مقابل الدولار في السوق السوداء


 الارتفاع المفاجئ لسعر الجنيه بالسوق السوداء أصاب السوق بحالة من الاضطراب، في ظل حالة من عدم القدرة علي التسعير أكثر مما كان عليه، وسط توقعات بعدم انخفاض الأسعار على المدى القريب، نظرًا لأن المنتجات والسلع بالأسواق تم تسعيرها على سعر دولار السوق السوداء، وفي بعض الأوقات بسعر أعلى منه لكي تتمكن من الوفاء باحتياجاتها المستقبلية.


 تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه سيؤثر على ثمن السلع المستوردة، ولكن بشرط نفاد المخزون الحالي من السلع والمنتجات المستوردة بسعر مرتفع، وبدء استيراد سلع جديدة بأسعار منخفضة، وهي عملية لن تنتهي في أقل من شهر، ما يعني مزيدا من الأعباء على كاهل المواطنين.


رغم كل تلك المُشكلات وفشل مصر في تنفيذ الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي، إلا أنَّ النظام لم يَحُد من سيطرة الجيش على أجزاء كبيرة من الاقتصاد، وتُعول الحكومة على زيادة الاستثمار الخاص وبيع الأصول المملوكة للدولة في محاولة لتوفير ما تحتاجه من العملة الأجنبية، وكانت الحكومة أعلنت عزمها تشكيل لجنة وزارية عليا للتفاوض مع البلدان والبنوك الدائنة من أجل مبادلة الدين العام بحصص في بعض الشركات المملوكة للدولة، بالإضافة لتوريق 20-25% من عائداتها الدولارية أمام المستثمرين الدوليين، مما يفتح الباب لتوريق عائدات قناة السويس، وبيع المزيد من الأصول المهمة بأسعار بخسة.

شارك المقالة

مقالات مشابه

الاقتصاد المصري والسير نحو الهاوية

تعيش مصر أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ سنوات، يزيد من صعوبتها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب شح الدولار بسبب تراجع تحويلات

أزمة نقص الأدوية المستوردة في السوق المصري

مقدمة أصدرت وزارة الصحة المصرية في الخامس من فبراير 2024 القرار رقم 44 لسنة 2024؛ الخاص بإلزام الأطباء في جميع القطاعات الصحية في الدولة

العقلية الأمنية في حل الأزمات الاقتصادية في مصر

استَهَلَ السيسي فترته الرئاسية الثالثة، في وقتٍ تَعصفُ بمصر مجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية، على الصعيد الإقليمي لا تزال الحرب في