تسبب مشروع قانون تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض في حالة من الجدل الواسع، بعد موافقة مجلس الوزراء عليه في 20 نوفمبر الماضي، ثم موافقة مجلس الشيوخ المصري في 23 ديسمبر الجاري. أثار القانون غضب نقابة الأطباء، التي تصاعدت احتجاجاتها، وانضمت إليها نقابات مهنية أخرى، أبرزها نقابة الصحفيين ونقابة المهندسين. هؤلاء اعتبروا أن القانون سيؤدي إلى تقاعس الأطباء عن معالجة الحالات الخطيرة خوفًا من المساءلة القانونية، مما سيضر بالمريض أكثر من الطبيب نفسه.
القانون الآن في انتظار المناقشة من لجنة الصحة بمجلس النواب قبل الموافقة النهائية عليه. ومن العقوبات المنتظرة في القانون: الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لمن يتسبب من مقدمي الخدمة في وفاة متلقي الخدمة نتيجة خطأ طبي. وإذا وقع الخطأ الطبي نتيجة خطأ جسيم، تكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، مع غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز 500 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أكد الدكتور أسامة عبد الحي، نقيب أطباء مصر، رفضه لبعض بنود مشروع قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض، معتبرًا أن صيغته الحالية ستضر بالطرفين: المريض قبل الطبيب. وأوضح أن القانون لا يفرق بين المضاعفات الطبية والخطأ الطبي والإهمال الجسيم، مشيرًا إلى أنه يؤيد حبس الطبيب في حالات الإهمال الجسيم، أو إذا عمل في تخصص غير تخصصه، أو خالف القوانين مثل إجراء عمليات ختان الإناث.
وقال نقيب أطباء مصر في حديثه لمنصة “MENA“، إن نقابة الأطباء هي من طالبت بهذا القانون لتحقيق العدالة بين كافة الأطراف. لافتًا إلى أن غالبية الدول المتقدمة تشكل لجانًا متخصصة لتلقي شكاوى المرضى. وأوضح أن هذه اللجان لا تحل محل النيابة والقضاء، بل يتعين على القاضي الاستعانة بخبير فني متخصص في الأمور الطبية لتقديم المشورة، مما يساعد في إصدار أحكام عادلة.
وأكد عبد الحي أن المريض له الحق في التعويض المدني العادل في حالة حدوث ضرر. كما شدد على أن الطبيب الذي يعمل في تخصصه ويحاول إنقاذ المريض إذا وقع في خطأ طبي، يجب أن تكون العقوبة المقررة هي تعويضات مدنية، وليس الحبس. وطالب بضرورة أن تكون هذه اللجنة بمثابة الخبير الفني لجهات التحقيق والتقاضي، مع ضرورة التمييز بين المضاعفات الطبية المحتملة نتيجة طبيعة المرض والخطأ الطبي الذي أدى إلى الضرر، بالإضافة إلى الخطأ الطبي الجسيم.
يرى نقيب الأطباء أن القانون لا يميز بين الخطأ المحتمل والخطأ الجسيم، ويمهد لإحالة كل الأخطاء إلى محكمة الجنايات فورًا، مما يعرض الأطباء للحبس والغرامة. وقال إن هذا سيدفع الأطباء إلى القلق المستمر والخوف، مما سيؤدي إلى ضرر أكبر للمرضى أنفسهم. وأوضح أن ما تطالب به نقابة الأطباء هو اعتبار الأخطاء الواردة، التي يتم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة خلالها، “مسؤولية مدنية” على الطبيب، مع تقديم تعويضات عادلة عن الضرر غير المقصود.
وأضاف عبد الحي أنه في حالة حدوث خطأ جسيم من الطبيب، مثل مزاولة المهنة في تخصص غير تخصصه، أو مزاولة المهنة بدون ترخيص، أو تحت تأثير المخدرات، يجب أن تكون العقوبة الحبس والغرامة. لكنه أشار إلى أن مشروع القانون المقترح يعاقب الطبيب، حتى إذا كان متخصصًا وملتزمًا بجميع القواعد، في حالة حدوث أي خطأ. وهذا قد يدفع العديد من الأطباء إلى الخوف من التعامل مع الحالات الطبية المعقدة، مما سيدفع المريض ثمن ذلك قبل الطبيب.
وأوضح أن نقابة الأطباء لجأت إلى الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة بعد أن استنفدوا جميع السبل المتعلقة بالقانون، مشيرًا إلى أن بعض مواد القانون بحاجة إلى تعديلات، وخاصة ضرورة تشكيل لجنة طبية متخصصة للفصل في هذا الشأن.
أعلن الكاتب الصحفي خالد البلشي، نقيب الصحفيين، تضامنه مع مطالب نقابة الأطباء بشأن قانون المسؤولية الطبية الجديد، مؤكدًا أن التصدي للأخطاء الطبية يحتاج إلى معالجة دقيقة وعادلة تبدأ بإتاحة الخدمة الصحية لجميع المواطنين وتوفير بيئة عمل ملائمة لممارسي المهنة، بما يضمن حقوق المرضى دون المساس بحقوق الأطباء، أو تهديد مستقبلهم المهني. كما أشار إلى أن القانون يفتح الباب لمزيد من “النزيف المهني”، الذي تسبب في فقدان مصر لعدد كبير من خيرة أطبائها الذين لجأوا للهجرة بحثًا عن ظروف وأوضاع أفضل.
وأكد نقيب الصحفيين في تصريحات لمنصة “MENA“، تضامنه الكامل مع مطالب الأطباء في إرساء آليات قانونية عادلة لمعالجة الأخطاء الطبية. وأضاف أن هذه الآليات يجب أن تعتمد على لجان طبية متخصصة لضمان حقوق المرضى وحمايتهم، مع مراعاة طبيعة مهنة الطب وظروفها الإنسانية ومخاطرها المهنية. وشدد البلشي على أن التهديد بالحبس لن يكون حلاً لأي مشكلة أو وسيلة لتطوير الخدمات الطبية. وأكد على أهمية توفير المناخ الملائم للجميع للقيام بأدوارهم بشكل فعال.
يرى البلشي أن إصلاح منظومة الخدمة الطبية وتطوير قطاع الصحة والمستشفيات الحكومية وتوفير الإمكانيات اللازمة لمقدمي الخدمة هو السبيل الأول لرعاية المرضى والأطباء في نفس الوقت. وأوضح أن توفير الموارد وبيئة عمل آمنة ومستقرة للأطباء والعاملين في القطاع الطبي يؤثر بشكل إيجابي على أدائهم المهني. وأضاف أن ليس من مصلحة المرضى أن تكون قرارات الأطباء وأيديهم مرتعشة خلال ممارسة عملهم، خاصة في الحالات الحرجة التي تتطلب تدخلاً عاجلاً.
وأوضح نقيب الصحفيين أن هناك مسؤولية كبيرة على أعضاء مجلس النواب لدراسة القانون بعناية بعد الاستماع إلى مطالب نقابة الأطباء والنقابات المهنية الأخرى. وأكد على أهمية أن تتم عملية حوار مجتمعي تشمل جميع الأطراف، بما يضمن حماية حقوق المواطنين، وتحقيق العدالة، وإقامة نظام صحي عادل يحافظ على حقوق المرضى ويحميها، ويحرر الأطباء من الضغوط والمخاوف التي قد تعرقل قيامهم بدورهم ورسالتهم السامية.
أكد محمد العماري، وكيل لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، أن اللجنة ستتيح الفرصة للنقابات الطبية لعرض ملاحظاتها على مواد مشروع قانون المسؤولية الطبية وتوضيح اعتراضاتها على المواد التي ترى أنها ليست في صالح الأطباء. وأضاف أن ذلك سيكون عبر عدد من الاجتماعات وجلسات الاستماع التي ستعقدها اللجنة خلال الأيام المقبلة عقب وصول مشروع القانون إليها.
وأوضح العماري لمنصة “MENA“، أن اللجنة ستستمع لكافة الملاحظات وتمنح المساحة لكل طرف للتعبير عن ملاحظاته حتى يتسنى لها الوصول إلى أفضل صياغة لمشروع قانون يحفظ حقوق المريض والطبيب على حد سواء.
من جانبها، ترى النائبة أمل سلامة، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أن مشروع قانون المسؤولية الطبية ورعاية المريض يحقق التوازن بين الحقوق والواجبات. وأشارت إلى أن التشريع الجديد طال انتظاره منذ سنوات، لاسيما وأن العديد من الدول الأجنبية والعربية قد سبقتنا في إعداد قوانين لضبط علاقة المسؤولية الطبية.
وقالت عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب لمنصة “MENA“، إن قانون المسؤولية الطبية يعمل على حماية المنشآت الصحية من أي اعتداء، ويحقق الحفاظ على مقدمي الخدمة، وفي الوقت نفسه يضمن حق المريض في الحصول على حقوقه في حال وقوع أخطاء طبية. مؤكدة أن وجود قانون للمسؤولية الطبية هو خطوة هامة، خصوصًا وأنه كان من أولويات الأجندة التشريعية للحكومة. كما أشارت إلى أنه يساهم في الحد من التجاوزات التي تحدث بسبب تلقي الخدمات العلاجية.
بينما أوضحت النائبة إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، لمنصة “MENA” أن موافقة مجلس الشيوخ على القانون كانت استشارية فقط. وأضافت أن مشروع القانون بحاجة إلى بعض التعديلات في عدد من البنود، وسوف يتم العمل عليها داخل لجنة الصحة بمجلس النواب خلال الفترة المقبلة مع مراعاة آراء كافة الأطراف. وأكدت أن القانون في وضعه الحالي سيجعل الأطباء يعزفون عن علاج الحالات الخطرة خوفًا من العقاب بدون ذنب.
وترى عضو لجنة الصحة بمجلس النواب أن الجدل المثار حول القانون حاليًا طبيعي، لأن الفصل بين حقوق الأطباء ومسؤولياتهم وحقوق المريض يقاس بميزان دقيق لضمان تحقيق العدالة ومصلحة الجميع. وأكدت أنه لا يمكن عرض الأطباء والعاملين في القطاع الطبي لضغوط من شأنها الإضرار بالمرضى أنفسهم، لأن ذلك سيجعل أيديهم مرتعشة وبالتالي سيؤدي إلى تراجع مستوى الخدمة الطبية المقدمة.
اقرأ أيضًا:
معاناة الأطباء بين تردي العمل في القطاع الحكومي واعتداء أهالي المرضى
الأطباء يعانون ما بين إهمال الحكومة للمنظومة وسخط العامة
أمهات مصر في ورطة.. رحلة البحث عن اللبن المدعم بعد القرار الأخير
إفلاس أم إعادة تدوير؟.. أسئلة حول قيادات “الحزب الجديد”